3. السوق المركزي 1968-2005

عبد الرحمن مخلوف

المركزية

خطوط سير الحافلات 040، 063

من المفترض أن تؤول البيئة الحضرية لأي مدينة إلى النمو والتطور مع مرور الزمن. غير أنّ عدداً لا بأس به من المباني في أبوظبي سقط ضحية هدم سابق لأوانه قبل أن يقوم أي شخص بتقييم القيمة الاجتماعية أوالتاريخية لها. في إطار ذلك، فقد تم هدم السوق المركزي القديم عام 2005، والذي كان بمثابة واحد من أعرق المعالم البارزة والقلب النابض للمدينة سابقاً، وذلك بحجة إفساح المجال لإقامة مركز تسوق من الطراز الفاخر على أنقاضه.

لقد كان السوق المركزي يشكل جزءاً ضمن الخطة الرئيسية لمدينة أبوظبي والتي تمت صياغتها عام 1968، من قبل المهندس المعماري المصري عبد الرحمن مخلوف بناءً على النموذج الذي قدمته شركتا أرابيكون وكاتسوهيكو تاكاهاشي آنذاك. وتمت إثر ذلك عملية بناء السوق في منطقة وسط البلد، والذي ضم في البداية مئتين من المحلات التجارية. وسرعان ما كسب السوق المركزي سمعة شهيرة كونه قلب تجارة البيع بالتجزئة في أبوظبي، ذلك المكان الذي يكفل للمرء حرية التسوق والإستمتاع بأجواء أليفة من الحياة الإجتماعية مع قاصديه. وكانت قيمة أسعار الإيجارات في السوق منخفضة، يصحبها وفرة في عدد المحلات التجارية، وتدفق متوازن ومتناسق للزبائن، وتفاعل إجتماعي ظريف بين الناس يعكس جو البساطة والإستمتاع.

ولقد بدا السوق المركزي على أنه مشهد اجتماعي متكامل، يستقطب أناساً من جميع الطبقات والأعراق. واتسعت ماهية السوق كي تخرج من كونه مجرد مبنى يضم عدداً من محال تجارية وممرات، تتم فيها عملية التبادل التجاري بين الباعة والمستهلكين، لتأخذ حيزاً أوسع من ذلك، حيث قصده الناس بُغية لقاء الأصحاب واحتساء كوب من الشاي، وتبادل القصص والحديث معهم عن آخر الأخبار.

وحظي المكان بشعبية لا تصدق، وأصبح من المحال على المرء تجنب زيارته. وفي مطلع السبعينيات، قام كاتب الرحلات البريطاني جوناثون ربان بزيارة أبوظبي، و"استخدم السوق كجهاز سرد يعمل على ترسيخ تجربته في مدينة تأخذ طابع الأرق والإضطراب". [1] وقبل أن تتم عملية هدم السوق، بدت عليه علامات القِدَم وقلة مستوى الصيانة، فمن جهة، كان هناك حالات مؤكدة من الفوضى والإفراط في الإستخدام حالها كحال أي منشأة واقعة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، ومن جهة أخرى، تمتع السوق بشعبية واسعة النطاق وتنوع يفوق الخيال من حيث الزائرين له. ويقول جوناثان ربان: "لقد أصبحت أعراض التعفن وحتى القذارة منها تشكل دلائل واضحة على أن هناك عناصر حياة في مدينة "مُصطنعة" مثل أبوظبي." [2] كان السوق المركزي بمثابة مساحة تجلب االشعور بالتفاؤل لدى الناس، حيث عكست صورة اهتراء المكان مشهداً من مشاهد حيوية المدينة.

إنّ معاينة السوق المركزي من الأعلى، تكشف للناظر منظر سقوف مسطحة، تشبه في هيئتها تداخل مستطيلات بعضها بالبعض، لا حصر لها. هذا، وقد كان السطح يتمتع بشكل هندسي، على أن صورته من الأعلى بدت وكأنها غير واضحة المعالم. إلا أنه كان من الملحوظ وجود توازن واضح في عدد الزوايا، والتداخلات، ومفارق الطرق وفتحات الأسقف. ومما لاريب فيه أنّ ذلك المبنى كان قد صُمم ليكون سهل الوصول إليه، ومفتوحاً على الدوام لإستقبال واحتضان الجميع. واستطاع عبد الرحمن مخلوف أن يحقق توازناً دقيقاً، فيما يخص كمية الضوء بالمقارنة مع المساحة، وذلك من خلال تبسيط الأشكال المعمارية بهدف الاستفادة ما أمكن من النور الطبيعي، وإفساح المجال أمام إيجاد ممرات واسعة. ومع مرور الوقت، ثبت أن السوق تمكن من تحقيق الغرض المرجو منه، والذي يكفل تسهيل الحركة التجارية، ويمنح زائريه الشعور بالراحة، وينمي روح التفاعل بين الناس.

3. Central Market 1968-2005

Abdul Rahman Makhlouf

Al-Markaziyah

Bus Routes 040, 063

The urban environment of a healthy city is meant to grow, develop, and evolve over time. However, in Abu Dhabi, many buildings fell victim to premature demolition before anyone assessed their social and historical value. One of the most outstanding landmarks and the former heart of the city, the Old Central Market, was demolished in 2005 to give way to a luxury shopping center.

The Central Market was part of the master plan of Abu Dhabi drafted in 1968 by Egyptian architect Abdul Rahman Makhlouf on the template provided by both Arabicon and Katsuhiko Takahashi. The market was built in the downtown area and initially housed two hundred shops. The Central Market earned a reputation as the retail heart of Abu Dhabi, the place where one would venture to shop and socialize. Rent was low, shops were plentiful, the flow of customers was consistent, and the intensity of social engagement between people was casual and pleasant.

The Central Market offered itself as a social spectacle, and it attracted people from all classes and ethnicities. Stores, passages, and people became more meaningful than a simple supplier-to-consumer exchange. The place acquired the quality of a popular public space. Many customarily came to the Market to meet friends, have a cup of tea, and to share stories and news.

The place was incredibly popular and impossible to miss. British travel writer Jonathan Raban, who visited Abu Dhabi in the early 1970s, "uses the Souq as a narrative device anchoring his experience in the city characterized by restlessness and anomie." [1] Before it was demolished, the Market showed signs of aging and poor maintenance. On the one hand, there were undoubtedly instances of disorder and overuse, as in any dense urban space. Yet on the other hand, the site was popular and incredibly diverse. Jonathan Raban wrote: "The symptoms of decay, even squalor become signs that there are elements of life in an ‘artificial’ city such as Abu Dhabi." [2] The Central Market was an optimistic space, and wear and tear showed the vitality of the city.

A bird’s eye view of the Central Market revealed light flat roofs that looked like myriad overlapping rectangles. The rooftop’s surface was geometric, yet looked almost chaotic from above. There was a defined rhythm in the angles, overlaps, crossings, and openings of the roof. The structure was meant to be easily accessible, welcoming, and open to all. Makhlouf achieved a careful balance of light and space by simplifying architectural forms, making the most from the natural light, and allowing for wide passages. The Market demonstrates a dedication to functionalism: every element was meant to facilitate trade, make visitors feel at ease, and encourage human interactions.

لقد كان السوق المركزي مختلفاً كل الإختلاف عن ناطحات الساحاب التي حلت محله، ويعزى ذلك إلى سهولة التنقل في أرجائه، وبساطته ومظهره الذي يمتع الناظر إليه. ولقد تكوّن كل متجر من طابقين، اُستخدم الأول منهما لعرض السلع، بينما كان الثاني يستخدم ليكون مخزناً للبضاعة ومكاناً للراحة. تم تشييد أعمدة مستقيمة بسيطة والتي من شأنها قامت بدعم السقف، وساعدت في تقسيم وتنظيم المكان. وفضلاً عن ذلك، تم طلاء معظم الأسطح العمودية والسقوف باللون الأبيض من أجل تقليل ارتفاع درجة الحرارة وأشعة الشمس المباشرة. إن المساحات المفتوحة للسوق سمحت للهواء بأن يتدفق داخله بشكل مستمر. وإنه بلا شك أنّ هذه الآلة البسيطة والفعالة جسدت مثالا للهندسة المعمارية الرائعة. وفي نهاية المطاف، تمت المحافظة على كل شجرة موجودة في الموقع بأمر من الشيخ زايد.

وفي واحدة من ليالي عام 2005، هبّ حريق في الساعة الثانية فجراً، مما خلّف دماراً في العديد من المحال التجارية. وبذلك، طوت تلك النار الفصل الأخير في حياة السوق المركزي، والذي تم تدميره في العام نفسه، ليحلّ مكانه مجمع ضخم جديد من تصميم المهندس المعماري البريطاني نورمان فوستر. في ذات المكان، بُني السوق المركزي الجديد، في مكانٍ نبض فيه ذات يوم قلبُ أبوظبي القديم، وهو يفتقد الآن إلى تزاحم أقدام الناس التي كان يتمتع بها سلفه.

Easy to navigate, simple, and elegant, the Central Market was very different from the imposing high-rises that were built in its place. Each shop had two floors – the first floor was for the display of goods, and the second floor functioned as storage and a space for rest. Simple straight columns supported the roof, and they helped to divide and organize the space. White was used for most vertical surfaces and the roof in order to minimize overheating and direct sunlight. Openness allowed for a constant flow of air through the market. This simple but effective strategy was an example of thoughtful architecture. At last, every single tree present on site was preserved by order of Sheikh Zayed.

One night in 2005, a fire started at 2 am, destroying several shops. The fire opened the last chapter in the life of the Central Market, which was demolished that same year. A new, massive complex designed by British architect Sir Norman Foster was built in its place. Set in the area where the old heart of Abu Dhabi once beat, the new Central Market lacks the human density of its extinct predecessor.